هل ينتقل فيروس كورونا عن طريق الهواء؟
خبراء يقولون أنّ هنالك أدلة متزايدة على انتقال فيروس كورونا عن طريق الهواء
مع إجراء المزيد من الدراسات، ما نعرفه عن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وطريقة انتشاره تتغيّر. أولاً، تقول مراكز السيطرة على الأمراض أن انتقال الوباء هو على الأرجح بسبب استنشاق قطيرات الرذاذ التنفسي بدلاً من لمس أسطح ملوّثة بالفيروس - رغم أنّ ذلك ما زال من الممكن أن يتسبّب بانتقال العدوى. لكن، إلى متى تبقى قطيرات الرذاذ هذه موجودة في الهواء؟ وكيف يؤثر حجم هذه القطيرات على انتقال العدوى؟ تقول رسالة مفتوحة يؤيّدها ما يزيد عن 200 خبير من 32 دولة أنّ "الميكروبات الصغيرة" التي تحتوي على الفيروس والخارج من أجسام الناس يمكن أن تنتقل عن طريق الهواء، رغم أنّ منظمة الصحة العالميّة تقول أنّ النتائج ما تزال غير حاسمة.
كتب ذلك مجموعة من الخبراء إلى منظمة الصحة العالمية في أبريل الفائت، ولا يزال الجدل الدائر حول الانتقال عبر الهواء مستمراً منذ ذلك الحين. تم التوقيع على هذه الرسالة المفتوحة المحددة من قبل 239 خبيراً يطلبون فيها استدعاءهم من قِبل منظمة الصحة العالمية لإدلاء شهادتهم، ويشير مضمونها إلى أنّ الجسيمات الصغيرة تلك يمكن أن تصيب الناس ويمكن أن تبقى في الهواء لفترات طويلة من الزمن. للإطلاع على الموضوع بشكل أعمق، أوضحت الطبيبة والمديرة الطبية لمركز الرقابة المضادة للميكروبات ومكافحة العدوى في كليّة الطب بجامعة شيكاغو، إميلي لاندون، في مقالٍ لها أنّ هنالك فرق بين قطرات الرذاذ التنفسي التي يمكن أن تنتقل لمسافة وجيزة ويتم استنشاقها بعدها وقطرات الرذاذ الصغيرة التي تسمى الهباء الجوي (أو الإيروسول) –وهي أصغر من خمسة ميكرومتر أو ميكرون– والتي يمكن أن "تطفو في الهواء لفترة من الزمن".
كتبت الدكتورة لاندون المقالة في مارس بعد أيام فقط من إعلان حالة الطوارئ الوطنية لأوّل مرّة في الولايات المتحدة بسبب جائحة كوفيد-19. لكنّها أوضحت الفرق العام بين الهباء الجوي و"الأجزاء الصغيرة من السوائل التي يمكنكم الشعور بها ورؤيتها عندما يعطس أحدهم أمامكم". وقالت أنّ الهباء الجوي يشبه استخدام بخاخ الشعر في الغرفة. فعندما تدخلون إلى الحمام بعدها، تبقى ذراته موجودة في الهواء لفترة أطول.
على موقع منظمة الصحة العالمية، تذكر التقارير أنّ الفيروس ينتشر "بشكل أساسي من شخص لآخر عبر انتقال قطيرات صغيرة من الأنف أو الفم، والتي تخرج من الجسم عندما يسعل، أو يعطس، أو يتكلم الشخص المصاب بكوفيد-19". لكنّ منظمة الصحة العالمية تقول أنّ القطيرات ثقيلة نسبياً، ولا تنتقل بعيداً، "وتسقط بسرعة على الأرض". هذه هي القطيرات التي حدّدتها الدكتورة لاندون على أنها "أجزاء صغيرة من السوائل" على عكس ذرات الهباء الجوي التي تدوم طويلاً في الهواء.
يوضّح النقاش حول انتقال الفيروس عبر الهواء
لم تستجب منظمة الصحة العالمية لطلب بوب شوغر للتعليق على الأمر، لكن خلال مؤتمر صحفي تم عقده في الـ7 من يوليو الجاري، أكد خبراء منظمة الصحة العالمية أنّهم، في الوقت الحالي، يعترفون فقط بأنّ انتقال الفيروس عبر الجو يشكّل خطراً بالنسبة للهباء الجوي في مراكز الرعاية الصحية حيث يمكن للإجراءات الطبيّة أن تنشرهم من المرضى المصابين. وقد حددت منظمة الصحة العالمية في تحديثها حول كوفيد-19، بتاريخ 29 يونيو، أنّ ذلك قد يتمثّل بإجراءات طبية مثل التنبيب الرغامي وتنظير القصبات. قالت الدكتورة آن ليو، أخصائيّة المناعة وطبيبة الأمراض المعدية في مركز ستانفورد للرعاية الصحية، خلال حديثها مع بوب شوغر سابقاً، "يقوم مقدم الرعاية الصحية بإجراء قد يتسبّب بدفع المرضى لتوليد المزيد من الهباء الجوي، وذلك عبر وضع أنبوب في حناجرهم لمساعدتهم على التنفس، أو القيام بإجراء يجعلهم يسعلون، أو يقومون بإجراء يجعلهم غير قادرين على فتح أفواههم".
إليكم هنا حجة هؤلاء الخبراء الذين وقّعوا على الرسالة المفتوحة: حيث يقولون أنّ الدراسات تشير بالفعل إلى أنّه يمكن لكوفيد-19 في الواقع البقاء في الجو والانتقال عبر الهباء الجوي من شخص لآخر. ويقول هؤلاء الخبراء أنّ منظمة الصحة العالمية ومنظمات الصحة العامة الأُخرى لا تعترف بانتقال الفيروس عبر الهواء بشكل صحيح وبدلاً من ذلك تركّز على غسل اليدين والتباعد الجسدي كشكل رئيسي من أشكال الحماية للجمهور، الذي يشعرون بأنّه "غير كاف لتوفير الحماية من الميكروبات التنفسية الحاملة للفيروسات والتي أطلقها الأشخاص المصابون في الهواء".
أشارت دراسة أجرتها مجلة نيو إنجلاند الطبية، والتي قامت بمحاكات العطاس أو السعال الصادر من البشر، إلى أنّ الهباء الجوي يبقى في الهواء بحالته النشطة لمدة ثلاث ساعات، وقال الباحثون لصحيفة نيويورك تايمز رداً على ذلك أنّه من المحتمل أن يبقى الهباء الجوي معلّقاً في الهواء لمدة 10 دقائق حتى نصف ساعة. تشير الرسالة المفتوحة على وجه التحديد إلى أنّ انتقال الفيروس عبر الهواء هو "التفسير المعقول الوحيد" لما يسمى الآن "الأنشطة فائقة الانتشار" حيث يصاب الناس بكوفيد-19 على شكل مجموعات.
على سبيل المثال، إصابة فرد واحد بكوفيد-19 أدت إلى 32 إصابة مؤكدة (و 20 آخرين محتملين) خلال تمرين جوقة غنائيّة لمدة ساعتين ونصف في ولاية واشنطن. أشارت ورقة بحثية نشرها مركز السيطرة على الأمراض في السابق، والتي درست مسألة انتشار كوفيد-19 ضمن التجمعات في اليابان من شهر يناير إلى شهر أبريل، إلى أنّ العديد من التجمعات التي سجّلت الإصابة فيها كانت مرتبطة بـ"التنفس الشديد على مقربة من بعض، مثل الغناء في حفلات الكاريوكي، والهتاف في النوادي الليلية، وإجراء المحادثات في الحانات، وممارسة الرياضة في الصالات الرياضية ". حجم القطيرات في هذه السيناريوهات غير واضح، لكنّ أولئك الذين وقّعوا على الرسالة المفتوحة يعتقدون أنّ انتقال الفيروس عبر الهواء هو على الأرجح السبب في الأنشطة فائقة الانتشار بشكل عام.
من جهتها، قالت لينسي مار، وهي خبيرة في الهباء الجوي في جامعة فرجينيا تيك، والتي كانت إحدى الأشخاص الذين يعملون على هذه الرسالة المفتوحة، خلال حديث لها مع صحيفة نيويورك تايمز أنّه من غير الواضح عدد المرات التي ينتشر فيها الفيروس عن طريق الهباء الجوي مقارنة بالقطرات السائلة الأكبر حجماً والتي تخرج من الجسم عند العطاس أو السعال. تحتوي ذرات الهباء الجوي على كمية أقل من الفيروس مقارنة بالقطيرات الأكبر حجماً، لكن يمكنها البقاء في الهواء لفترة أطول. وعبر صحيفة "نيويورك تايمز"، قال الخبراء لشهور أنّ "الأشخاص المصابين يطلقون الهباء الجوي أيضاً عندما يسعلون ويعطسون. والأهم من ذلك، أنّهم ينشرون الهباء حتى عندما يتنفسون أو يتحدثون أو يغنّون، خاصة إن ترافق ذلك مع بعض الجهد والتعب".
أكدت المديرة الفنية لمنظمة الصحة العالمية لكوفيد-19 ماريا فان كيرخوف في مؤتمر صحفي في 7 يوليو الجاري أنّ تركيز المنظمة ينصب على المخاطر التي تهدّد العاملين في مجال الرعاية الصحية "حيث يكون لديهم تلك الإجراءات المولدة للهباء الجوي"، لكنّها تنظر أيضاً في الدور المحتمل لفكرة انتقال الفيروس عبر الهواء في الأماكن المزدحمة ذات التهوية الضعيفة. تقول منظمة الصحة العالمية إنّها كانت طوال الفترة الماضية تراجع البيانات وتعمل مع "عدد كبير من المجموعات. . . في محاولة لترسيخ المعرفة المتزايدة حول طرق انتقال المرض". في الأيام القادمة، ستُصدر منظمة الصحة العالمية ملخّصاً علميّاً يوضح النتائج التي توصلت إليها في هذا المجال.
أوضحت كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية، سمية سواميناثن، في هذا المؤتمر ذاته أنّه عندما تكون في "حالة طارئة" مثل هذا الوباء حيث تتغير استنتاجات العلم باستمرار بشكل يومي تقريباً، يستغرق الأمر وقتاً أطول لمراجعة آلاف المنشورات التي ترسلها منظمة الصحة العالميّة كلّ يوم. يقوم خبراء منظمة الصحة العالمية بمراجعة منهجية للأدلة، وما إذا كانت التجارب التي تخرج من المختبرات تعكس ما يحدث في الظروف اليومية أم لا، فلا يمكنهم الاستنتاج. لذا، عندما يتعلق الأمر بنشر التوصيات بمساعدة مجموعة تطوير المبادئ التوجيهية الخاصة بها (التي يشكل بعض العلماء المشاركين في كتابة تلك الدراسات جزءاً منها)، فإنّ منظمة الصحة العالمية تستخدم أقصى درجات الحيطة والحذر.
تدابير الوقاية الرئيسية التي يجب استخلاصها من هنا
أقرت بينيديتا اليجرانزي، المديرة الفنية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة العدوى، في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في 7 يوليو بضرورة إجراء المزيد من الأبحاث حول القطيرات التنفسيّة وكذلك مقدار الفيروس اللازم دخوله إلى الجسم لإصابتنا من جرّاء انتقاله عبر الهواء. هنالك عوامل تساعد على حمايتنا من انتشار القطيرات التنفسيّة التي تحتوي على فيروسات. على سبيل المثال، يلعب تدفق الهواء دوراً في ذلك. يكون الخطر أعلى في الأماكن الداخلية المزدحمة ذات التهوية السيئة مثل بعض المطاعم، والصالات الرياضية، ودور العبادة (ملاحظة: ما يزال عليكم ارتداء الكمامة في الهواء الطلق إذا كنتم بالقرب من الآخرين). كما قالت الدكتورة ليو لبوب شوغر: "آمل أن يفهم النّاس أنّه كلما طالت فترة وجودهم في الأماكن المغلقة مع أشخاص آخرين، حتى إذا كانوا يرتدون أقنعة قماشيّة أو كمامات الجراحين، كلّما زاد خطر انتقال العدوى". وقالت إنّ دوران الهواء يوزع القطيرات التنفسيّة تلك بشكل أكثر خطورة.
لكن لنكن واضحين، لا يعني ذلك أنّ جزيئات كوفيد-19 تنتقل عبر الهواء فقط أينما ذهبتم. حيث أوضح عالم الأوبئة بجامعة هارفارد، بيل هاناج، لصحيفة نيويورك تايمز قائلاً: "لدينا هذه الفكرة بأنّ انتقال الفيروس عبر الهواء يعني بقاء القطيرات التنفسية في الهواء بوضعية نشطة قادرة على نقل العدوى حتى بعد عدة ساعات، وتتحرّك في الشوارع من خلال صناديق الرسائل وتشقّ طريقها إلى المنازل في كل مكان". المسألة ليست كذلك، بحسب قوله. بدلاً من ذلك، يجب أن نكون حذرين من التواجد في تجمّع كبير وعلى مقربة من الناس، لا سيما ضمن الأماكن المغلقة وخاصة عندما لا يكون هنالك تباعد جسدي في مكان مزدحم ما.
كتب الخبراء في تلك الرسالة المفتوحة قائلين: "من المفهوم أنّه لا يوجد حتى الآن قبول عالمي لفكرة انتقال وباء "سارس-كو في 2" عبر الهواء؛ لكن في تقييمنا الجماعي هنالك أكثر من أدلة داعمة كافية لتطبيق المبدأ الاحترازي". (ملاحظة: سارس كو في 2 هو مصطلح آخر لكوفيد-19). وفيما يتعلق بالمؤتمر الذي تم عقده في 7 يوليو، توصي منظمة الصحة العالمية بتجنب الأماكن المغلقة والمزدحمة، وتوصي بالتهوية "المناسبة والمثالية" للأبنية المغلقة. والأكثر من ذلك، توصي منظمة الصحة العالمية بالتباعد الجسدي وارتداء الكمامات. بالنسبة للجمهور العام، يُنصح بارتداء الكمامات القماشيّة في مناطق الانتشار الواسع حيث لا يكون التباعد الجسدي خياراً ممكناً. تقول منظمة الصحة العالمية، يجب ترك الأقنعة الطبية للعاملين في مجال الرعاية الصحية، وأيّ شخص تظهر لديه أعراض كوفيد-19، والأشخاص الذين يقومون برعاية أولئك المصابين بكوفيد-19، والأفراد الأكثر عرضة للإصابة عندما لا يكون بالإمكان ترك مسافة فاصلة بينهم وبين الآخرين.
ما يجب عليكم تذكّره للمضي قدماً:
قوموا بارتداء الكمامات عندما لا يكون التباعد الجسدي ممكناً، خاصة عندما تكونون في الأماكن المغلقة. تقوم كمامات N95 بتصفية معظم الهباء الجوي، لكن يُنصح باستخدام الكمامات القماشيّة لعامة الناس. وقال أحد خبراء الهباء الجوي لصحيفة نيويورك تايمز "حتى الأقنعة القماشيّة، في حال ارتداها الجميع، يمكن أن تقلّل من انتقال العدوى بشكل كبير".
تجنّبوا الأماكن المزدحمة، خاصّة في الأماكن المغلقة حيث لا يمكنكم الابتعاد جسدياً عن الآخرين. يمكن أن يحدث الانتشار الواسع عندما يتواجد الناس في الأماكن المغلقة ذات التهوية الضعيفة لفترات طويلة من الوقت.
ركّزوا على التهوية. تنص الرسالة المفتوحة للخبراء على أنّ توفير "تهوية كافية وفعّالة (توفير هواء نظيف خارجي وتقليل إعادة تدوير الهواء)" يمثّل أمراً مهمّاً بشكل خاص في المباني العامة، وبيئات العمل، والمدارس، والمستشفيات، ومرافق الرعاية الصحية لكبار السن. وقالوا إن فتح الأبواب والنوافذ يمكن أن "يزيد بشكل كبير من معدلات تدفّق الهواء في العديد من المباني".
لا تنسوا إجراءات السلامة الأُخرى. يعني ذلك: غسل اليدين جيّداً والبقاء في المنزل إذا شعرتم بالمرض. إذا كنتم من الأشخاص المعرّضين لخطر الإصابة بالعدوى، فاتخذوا الاحتياطات المناسبة. اتصلوا بطبيبكم عند الحاجة لطرح أيّة أسئلة، واتّبعوا الإرشادات الموضوعة في المكان الذي تعيشون فيه.
للمزيد من المقالات، والمقابلات، والتحديثات حول كوفيد-19، انقروا هنا.