النباتيّون العرب
إليكم رأيي الصريح كامرأة عربيّة تحوّلت إلى نظام الطعام النباتيّ وثابرت عليه لتنقل لكم خلاصة تجربتها
أصبح التوجّه النباتيّ صيحةً رائجةً على شبكات التواصل الاجتماعي منذ يناير الفائت، 2018. حيث أطلق البعض على ذلك الشهر لقب "Veganuary" ليكون مكرّساً لحمية الديتوكس، مُدرجينه ضمن قائمة أهداف السنة الجديدة. أمّا بالنسبة لأشخاصٍ آخرين، فقد كانت بداية العام انطلاقةً صعبة لما يأملون أن يكون التزاماً حياتيّاً طويل الأجل. وكنتُ أنا من الصنف الثاني طبعاً.
فمنذ عامٍ تقريباً بدأت أتأمّل تلك الفكرة؛ يعود جزء من ذلك إلى قصص الأفراد المصابين بأمراض معيّنة (مثل السيّدة إيلا وودوارد صاحبة علامة Deliciously Ella)، والذين اعتمدوا بنجاح حمية نباتيّة كوسيلة بديلة للشفاء، كما كنت قد بدأت في ممارسة اليوغا، وشعرتُ بأنّ هذا النظام الغذائيّ هو بمثابة خطوة تقدميّة طبيعيّة لذلك النمط.
لكنّني شاهدت بعد ذلك فيلم What The Health الوثائقيّ على "نتفليكس"، وكان هذا المحفّز الرئيسيّ لي مثل الكثيرين بالطبع.
أحدث الفيلم تغييراً كبيراً في حياة الناس
سمعت الكثير من التقييمات المختلفة حول فيلم (What The Health (WTH الوثائقيّ. لكن باعتبار أنّني كنتُ أشعر دائماً أنّ هنالك ارتباطاً وثيقاً بين الصحّة وعلاقتها بالخضراوات عموماً، فقد عرفتُ أنّ ذلك سيكون حافزاً للتغيير بالنسبة لي. لذا انتظرت حلول يوم 1 يناير، 2018، بفارغ الصبر لمشاهدته. حينها جلستُ على الأريكة متعبة أداري ألماً طفيفاً في رأسي، وبدأت بمشاهدة الفيلم الذي غيّر حياتي بكاملها.
وفقاً لما ذكره فيلم What The Health، صنّف تقرير منظّمة الصحة العالميّة لحم الخنزير المقدّد والنقانق كموادٍ مسرطنةٍ للبشر. كما أشار أيضاً إلى أنّ هنالك رابطاً قويّاً بين منتجات الألبان وأمراض المناعة الذاتيّة. ولا يتوقّف الضرر هنا، حيث ذكرت وكالة حماية البيئة الأمريكيّة أنّ 9٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ تأتي من الزراعة (المتعلّقة بالماشية مثلاً). علاوةً على ذلك، فإن 80% من ظاهرة إزالة الغابات في الأمازون تعود إلى تربية المواشي. غير أنّ ذلك كلّه ليس سوى مجموعة قليلة من الحقائق المذهلة فعليّاً.
لذا لا ينحصر الأذى بصحتنا نهائيّاً، بل يمتدّ ليشمل كوكبنا بكامله.
تعليقاً على هذا الموضوع، قالت السيّدة نادين العلايلي وهي أخصائيّة تغذية حاصلة على شهادة ماجستير في التغذيّة التخصّصية وشهادة البرمجة اللّغوية العصبيّة، ومعتمدة لدى الجمعيّة البريطانية للتغذية التطبيقيّة والعلاج الغذائي، فضلاً عن كونها مؤسِّسة Body Blocks Egypt (خدمة توصيل لبرامج وجبات الطعام الصحيّة ومركز للعلاج الغذائيّ): "أعتقد أنّ الأمر أصبح رائجاً بسبب تدهور جودة المخزون الحيوانيّ في بيئتنا بشكلٍ رئيسيّ. لكن ليس ذلك وحسب، بل من الصعب أيضاً العثور على بروتين حيوانيّ عالي الجودة".
هذا ورغم الانتقادات الكثيرة التي تعرّض لها فيلم What The Health من قِبل العديد من العاملين في المجال الصحي والمنظّمات بسبب ما يصفونه بـ"ميله الانتقائيّ" للحقائق والدراسات، وتحريف الحقيقة لدعم ادّعاءاته، ما زلتُ مؤمنة بالأثر العظيم للنباتات.
كلّ منّا لديه عشقٌ للتوجّه النباتيّ إلى حدٍّ ما
لستُ الوحيدة في هذا المسعى بالتأكيد. إذ يشكّل النباتيّون والخضريّون ما نسبته 3.25% في بريطانيا، فيما يقول 1 من كلّ 10 بأنّهم يريدون التحوّل إلى التوجّه النباتيّ بحلول عام 2018. أمّا في الولايات المتحدة، فيعرّف نحو 6% من السكان أنفسهم بأنّهم نباتيّون. ويمثّل هذا العدد زيادة قدرها 600% في غضون ثلاث سنوات فقط، وفقاً لموقع Plantbasednews.org.
يشير السيّد توماس إيليس، الشريك المؤسّس لعلامة Plant Power، وهي خدمة توصيل وجبات نباتيّة في دبي، إلى أنّه اتّبع النظام الخضريّ بعد أن تبرّع بواحدة من كليتيه لزوجته، فيقول: "نبّهني أطبّائي إلى أنّ الكثير من البروتينات ستضرّ بصحة كليتي المتبقية. لذا قمت بأبحاثي وأدركت أنّه يمكن للتخلّي عن الكوليسترول، والدهون المشبعة، والهرمونات، والمضادّات الحيويّة، والعديد من الإضافات التي تحتويها المنتجات الحيوانيّة أن يكون خطوة نافعة جدّاً لصحّتي. وقد شعرتُ بالآثار الإيجابيّة لذلك بسرعة كبيرة حقّاً بل وتمنّيت لو اتّخذت القرار في وقتٍ أبكر!".
لن أكذب عليكم، لم يكن اتّباع النظام النّباتي شيئاً سهلاً بالنسبة لي. إذ بدا الأمر في بعض الأيام وكأنّني أخوض سباق ماراثون بساق واحدةٍ؛ أي بدا مستحيل التطبيق من النّاحية الجسديّة.
لكن وفي الوقت الذي أصبح فيه العالم أكثر تقبّلاً للحديث عن الخضريّة بل وضجر منها أحياناً، ما يزال قسمٌ كبيرٌ من العالم العربيّ لا يستوعب الموضوع نهائيّاً.
إخبار والدتي الكويتيّة بذلك
لنكن صريحين. قد تبدو عبارة نباتيّة عربيّة متناقضة بعض الشيء.
يمكن اختصار نظرة العرب إلى نظام الحياة النباتيّ بالجّملة الشهيرة المُقتبسة من فيلم My Big Fat Greek Wedding: وذلك عندما تقول إحدى العمّات للشّاب إيان (العريس) الذي أخبرها بأنّه نباتيّ "ماذا تقصد بأنّك لا تأكل اللّحم؟"، لينظر إليهم جميع من في الصالة بصدمة وذهول، ثمّ تُكمل بالقول: "لا بأس إذاً. سأعدّ لكَ لحم الضأن".
يُمكن أن يجري هذا الحوار داخل أيّ بيت عربيّ وفي أيّ بلدٍ من بلدان الشرق الأوسط والخليج. إذ لا يميل العرب عموماً نحو الخضريّة، على الرغم من أنّ العديد من أطباقنا الأساسيّة تصنّف على أنّها نباتية فعليّاً؛ مثل الفلافل ، والفول، والكُشري، والملوخيّة، والمسقّعة.
لماذا إذاً، وعلى الرغم من أنّ وجباتنا التقليديّة نباتيّة، إلّا أنّ مفهوم الخضريّة ما يزال فكرةً مجرّدةً جدّاً في العالم العربيّ؟
ذلك لأنّ تناول اللّحوم كان طبقاً احتفاليّاً بالنّسبة للعرب على الدوام. فهو عامل الجذب الرئيسيّ في المناسبات الخاصّة؛ وهو الوجبة الأساسيّة التي تُبهر الضيوف. إذ لدى كلّ بيت عربيّ لحّام محدّد يشترون من عنده بانتظام. اللّحم هنا هو الغذاء الشهيّ للأغنياء والطّعام المحبّب للفقراء، وقد يبقى الأمر هكذا إلى الأبد.
كانت أمي في زيارةٍ لي مؤخراً، وقد أخبرتها بنوعٍ من التردّد أنّني أجرّب "نظاماً طعام نباتيّ"، لكنّها أدهشتني بردّة فعلها. فقد هزّت رأسها بالموافقة، ثمّ أخذت تشرح عن فوائد الفواكه والخضروات. تفاجأت حقّاً بذلك، حيث أثبتت لي من جديد كم هي أمّ رائعة وتقدميّة بالنّسبة للمعايير العربيّة.
لكن في وقتٍ لاحقٍ من ذلك اليوم، عندما كنّا نتناول طعام الغداء، قامت بوضع بعض الدجاج في صحني. لذا وضّحت لها من جديد أنّني لم أعد أتناول الدّجاج، أو أيّ منتج حيواني حتّى. هذه المرة كان ردها مُناسباً لما توقّعته. إذ نظرت لي بذهول وقالت: "هل تقصدين لن تأكليه إطلاقاً؟ ظننتُ أنّكِ ستفعلين ذلك في فترات معيّنة فقط"، ثمّ تابعت بالقول: "ألم تبالغي في ذلك؟".
بالنّسبة للجيل العربيّ الذي نشأ قبل أن يعرف بتوفّر منتجات مثل دقيق الغلوتين والحنطة والحمّص، وحليب اللّوز، يصعب عليه إدراك فكرة الحياة النباتيّة بالكامل. لكنّهم كانوا يعرفون مصدر لحومهم على الأقل ولم يكونوا يأكلونها بشكل يوميّ.
لدينا الكثير من المشاكل لكنّ التوجّه النباتيّ ليس واحداً منها
من ناحية أُخرى، إن أجريتم محادثة حول الحياة النباتيّة مع جيل الألفية العرب، فسيعطونكم قائمة بأفضل الأماكن لتناول الأطعمة العضويّة الخالية من الغلوتين في بلدانهم. والمدهش أكثر أنّ القائمة ستكون طويلة بالفعل.
يرجع ذلك إلى أنّه منذ بضع سنوات شهدت المنطقة ثورةً صحيّة حقيقيّة، وكنتيجة ثانويّة لهذه الحركة، أصبح النّاس أكثر وعياً بما يأكلون وبطرق أكلهم. جلب لنا ذلك بدوره أيضاً مفهوم "الأكل النظيف"؛ وهي العبارة التي تمت صياغتها في البداية رفضاً للطعام المعالج والمُصنَّع، لكنّها أصبحت توجّهاً رائجاً لدى جيل الألفيّة والجيل الذي جاء بعده.
لذا، وتلبيةً لمتطلّبات تلك المجموعة اليافعة من الزبائن، قام العديد من العاملين في صناعة الأغذية ضمن العالم العربي بتبنّي هذا النظام مُقدّمين قوائم طعام مليئة بالخيارات العضويّة والنباتيّة.
ففي مصر مثلاً، يوجد بقّالون متخصّصون مثل Gourmet، وسلاسل محلّات سوبرماركت على غرار Alfa الذين يوفّرون باقة واسعة من المكوّنات، والمنتجات العضويّة والنباتيّة، إضافة إلى مطعم Be Good To You؛ وهو من المنافذ التي تقدّم أطباق عضوية والنباتيّة، فيما يوجد لدى Zooba وجبات الشارع المصريّ المعاصرة والنّظيفة التي تتضمّن الكثير من الخيارات النباتيّة، أمّا BodyBlocks Egypt فهو خدمة متخصّصة بتوصيل وجبات الطعام المغذّية، والتي تشمل برامج الوجبات النباتيّة أيضاً.
وفي لبنان: هنالك مطعما The Olive Tree وCoara اللذين يقدّمان الطعام العضوي النباتيّ بشكل حصريّ، فضلاً عن محل بقالة A New Earth العضوي، والخضري، والصديق للبيئة أيضاً.
كما اتّبعت دولة الكويت نهجاً مُماثلاً كذلك مع افتتاحها لمواقع طعام جديدة مثل Juna's Eatery، وOVO، وBe Good التي تقدّم مجموعة من الخيارات النباتيّة والخضريّة.
أمّا بالنسبة للمقيمين في الإمارات العربيّة المتّحدة، فالقائمة لا حصر لها. بدءاً من برامج توصيل الطعام، ومروراً بتطبيقات الطعام، وانتهاءً بالمطاعم والمقاهي ومحلّات السوبر ماركت؛ لذا فالوجبات النباتيّة متوفّرة في كلّ مكان. أفضّل شخصيّاً كلّاً من: Urth By Nabz & G، وWild & The Moon، وPlant Power، وEssentially.
لكن ومع توفّر منافذ الطعام الكثيرة للنباتيّين في العالم العربيّ، والتي تقدّم لهم خيارات أوسع بكثير من البطاطس المقليّة أو الفول، سأكون صريحةً معكم في ذلك. ما زلتُ حتّى الآن لا أعارض أحدهم من وضعِ حمامة محشوّة (وهو طبق مصريّ) على مائدتي رغم أنّني لن أتناولها بالطّبع، فذلك أسهل من أنّ أفسّر ما لا يمكن تفسيره لعائلتي وأقاربي الكُثر.