ما هو اضطّراب المزاج ثنائيّ القطب?
هل تساءلتم يوماً عن أعراض اضطّراب المزاج ثنائيّ القطب؟ إليكم إجابة أحد الأطبّاء المختصّين على ذلك
الأمراض النفسيّة في الحقيقة أكثر تعقيداً من الأمراض الجسديّة. فبنهاية المطاف، عندما يكون الاضطّراب في الدماغ، لن تكون هنالك أيّة أعراض جسديّة أو اختبارات دم يمكنكم القيام بها للحصول على التشخيص المناسب. ورغم أنّ الحديث بالأمراض النفسيّة آخذ بالازدياد وباتت تزول الوصمة السلبيّة المحيطة به شيئاً فشيئاً، إلّا أنّه ما يزال يُساء فهم الاضطرابات النفسيّة على نطاق واسع – ومن أبرزها اضطّراب المزاج ثنائيّ القطب.
فنظراً لأنّ كلمة "ثنائيّ" تعني اثنين، يربط الكثير من الأشخاص عن طريق الخطأ بين اضطّراب المزاج ثنائيّ القطب وانفصام الشخصيّة؛ أو اضطراب الهويّة التفارقيّ. لكن في الحقيقة يُعرَّف اضطّراب المزاج ثنائيّ القطب، الذي كان يطلق عليه سابقاً اسم "الاكتئاب الهوسيّ"، على أنّه خليط يجمع المزاج الاكتئابيّ مع المزاج الهوسي.
ففي حديثه مع بوب شوغر، أخبرنا الدكتور بيير عزام، الأستاذ المساعد بقسم الطب النفسيّ في المركز الطبّي لجامعة بيتسبرغ، قائلاً: "تمثّل الاضطرابات ثنائيّة القطب حالات من التقّلبات الكبيرة، والمستمرّة، والمتواصلة في المزاج". هناك العديد من الاضطرابات ثنائيّة القطب، لكنّه يقول بأنه يمكن اعتبار اضطّراب المزاج ثنائيّ القطب مصطلحاً شاملاً لعدّة تشخيصات مختلفة: "تتّسم كلّ حالة مزاجيّة بطيفٍ من الأعراض المختلفة بالشدّة، والمدّة، والخصائص السريريّة".
وفقاً للمعهد الوطنيّ للصحّة العقليّة، تشمل أنواع الاضطّرابات ثنائيّة القطب ما يلي: الاضطّراب ثنائيّ القطب من النّوع الأول، والاضطّراب الثنائيّ القطب من النّوع الثاني، واضطّراب دورويّة المزاج، وغيرها من الاضطّرابات ثنائيّة القطب المحدّدة وغير المحدّدة.
كيف يتمّ تشخيص الاضطّراب ثنائي القطب؟
لتشخيص اضطّراب المزاج ثنائيّ القطب، يجب على المريض أن يستوفي معيار نوبات الهوس أو نوبات الهوس الخفيف، فضلاً عن اختبار حالات مزاجيّة اكتئابيّة عُظمى بشكلٍ متقطّعٍ، حسب قول الدكتور عزام. تتّسم نوبات الهوس ونوبات الهوس الخفيف بارتفاع حادّ بالمزاج إضافة إلى ثلاث من الحالات التالية، أو المزاج العصبيّ المستمرّ بالإضافة إلى أربعة ممّا يلي:
- قلّة الانتباه، وصعوبة في التّركيز
- الانزعاج أو السلوكيّات المثيرة للتوتّر
- الأفكار غير الواقعيّة أو الثقة بالنّفس بشكلٍ مبالغٍ فيه
- الأفكار المتسارعة
- الأنشطة المتهوّرة (الإسراف في إنفاق المال، ممارسة الجنس بشكل خطر، وما إلى ذلك)
- قلّة الحاجة للنّوم، فرط الإنتاجيّة
- التكلّم بشكل مفرط
تستمرّ نوبة الهوس عادةً لسبعة أيام أو أكثر، وقد تحدّ من قدرة الشّخص على العمل بشكل سليم في العمل والمنزل، أو من الممكن أن تكون شديدة الحدّة لدرجة تستدعي دخول المستشفى. أمّا نوبة الهوس الخفيف، فهي شكل أقل حدّة من نوبة الهوس العاديّة، إذ تستمرّ لمدة أربعة أيام أو أكثر، لكنّها ليست شديدة بما يكفي لتؤثّر على أدائهم في المنزل والعمل؛ قد يبدو أولئك الذين يعانون من الهوس الخفيف أنّهم أفراد مُنتجون بإفراط، وطائشون، وينامون فترات أقلّ، إلّا أنّهم يواصلون العمل بوظائفهم، أو مدارسهم، ويستمرّون بعلاقاتهم مع الآخرين.
لا يتطلّب تشخيص ثنائيّ القطب من النّوع الأول سوى نوبة واحدة كاملة من الهوس. قد يتم تشخيص بعض الأشخاص بالاكتئاب الكبير ويعتقدون أنّهم يعانون من الاكتئاب إلى أن يصابوا بنوبة من الهوس، في هذه الحالة يتم تشخيصهم بالاضطراب ثنائيّ القطب. من ناحية أُخرى، قد يعاني المرضى المصابون بالاضطّراب ثنائيّ القطب من النّوع الثاني، من نوبة هوس خفيفة ولا يتعرّضون بتاتاً لنوبة هوس كاملة.
أمّا دَورَويّة المزاج فهي حالة فريدة من نوعها حيث يعاني فيها الشّخص من تقلّبات في المزاج تتباين بين الاكتئاب البسيط والهوس الخفيف. لكنّ أعراض الاكتئاب قد لا تصل إلى المستوى الذي تتطلّبه ليتم تشخيصها بنوبة اكتئابيّة، وقد لا تصل أعراض الهوس الخفيف بالمتطلّبات المحدّدة ليتمّ تشخيصها بالهوس الخفيف.
هناك أيضاً غيرها من الاضطّرابات ثنائيّة القطب المحدّدة وغير المحدّدة التي تتميّز بأعراض الاضطّراب ثنائيّ القطب، لكنّها لا تتطابق مع معايير تشخيص الاضطّرابات الأُخرى ثنائيّة القطب.
كيف يتم علاج الاضطراب ثنائيّ القطب؟
يُعالَج الاكتئاب عادةً بمضادّات الاكتئاب، إلّا أنّ هذه الأدوية قد تؤدّي إلى نوبة هوس عند المرضى الذين يعانون من الاضطّراب ثنائيّ القطب، على الرغم من ظهور أعراض نوبات الاكتئاب. لذا وعوضاً عن ذلك، يُعالَج الاضطّراب ثنائيّ القطب بمثبّتات المزاج، وفقاً لما قاله الدكتور عزام. وهي مجموعة كبيرة من الأدوية التّابعة لفئات مختلفة؛ بما في ذلك مضادّات الذهان من الجّيل الثاني، وبعض مضادّات الاختلاج، واللّيثيوم. يتشابه الاضطّرابان ثنائيّا القطب بنوعيهما الأوّل والثاني من حيث العلاج، وقد يستغرق الأمر بعض التجربة والاختبار بالدّواء والجرعة لمعرفة ما هو أفضل نظام للعلاج.
بالإضافة إلى الأدوية، يمكن علاج هذا الاضطّراب بجلسات العلاج النفسيّ، الذي يركز على الرعاية الذاتيّة للنّفس وتنظيم التوتّر، أو العلاج السلوكيّ المعرفي، الذي يساعد على تغيير التفكير والسلوك السلبيّ المرتبط بالاضطّراب، وفقاً لمجموعة National Alliance on Mental Illness.
هذا ورغم أنّ كلّ شخص مصاب بالاضطّراب ثنائيّ القطب يختلف عن الآخر ويستجيب للعلاج بشكل مختلف، إلا أنّه يمكن للمكمّلات الدوائيّة مع الجّلسات وإجراء تغييرات بنمط الحياة أن يساعد أيضاً في علاج المرض. احرصوا على التنعّم بقسطٍ كافٍ من النّوم (من سبع إلى ثمان ساعات) كلّ ليلة، وعلى ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول الأغذية الكاملة غير المصنّعة فيمكن لجميع هذه العوامل أن تساهم في زيادة فعاليّة خطّة العلاج.