م لديها النمط الأول من داء السكري تتسلّق جبلاً وتشارك ببطولة
كيف مكَّن مرض السكّري أمّاً لثلاثة أطفال من تحقيق أهدافها في عالم اللّياقة البدنيّة
انقلبت حياة الشابّة داليا بدراوي كليّاً عندما تم تشخيص حالتها بالنمط الأول من داء السكري قبل 11 عاماً، لكنّها تحوّلت إلى الأفضل حقيقةً. قد يشكّك معظم الناس بذلك، لكنّكم ستدركون صحّة هذا الأمر عندما تنظرون إلى الأشياء التي استطاعت داليا إنجازها بعمرها البالغ 36 سنة. فيُمكن القول على أقلّ تقدير أنّ المرض لم يُحبط عزيمتها، ولا حتى قليلاً.
إذ أخبرتنا بدراوي في حديثها مع بوب شوغر الشرق الأوسط: "أقول دائماً أنّني أرى مرض السكري نعمةً في ثوب نقمة". ففي السنة الأولى التي جرى فيها تشخيص مرضها، كانت داليا غارقة في الاكتئاب، حيث شعرت بالخوف من تقلّب مستويات السكر داخل جسمها، لكنّها تقول: "كلّما تعلمت عنه أكثر، زاد فهمي له، وزاد إدراكي لحقيقة أنّه يُمكنني التعايش بسلام مع داء السكري".
السكريّ الذي تعاني منه بدراوي هو مرض وراثيّ، حيث لا يرتبط بنوع أكلها، أو نمط حياتها. ترى الشابّة المصريّة المنخرطة جدّاً في مجال اللّياقة البدنيّة بأنّه لدى معظم الناس في الشرق الأوسط وعي محدود جداً بمرض السكري من النمط الأول لسوء الحظ. لذا فهي تهدف إلى تغيير تلك الحالة. ففي الوقت الذي تقوم فيه بتربية ثلاثة أطفال تبلغ أعمارهم الـ3 سنوات، والـ8 سنوات، والـ10 سنوات، تُمرّن داليا الآخرين وتدرّبهم في نادي Engine38 الرياضيّ التابع لعلامة CrossFit، حيث تملكه داليا وتديره مع ثلاثة شركاء آخرين.
تشعر بدراوي أنّها تستطيع تحقيق أيّ شيء إن بقيت ممسكةً بزمام الأمور في حياتها أثناء معاناتها من مرض السكريّ. لذا اشتركت بماراثون باريس عام 2013: "كنتُ أحلم وأتحدّث دائماً عن الجري في سباقات ماراثون. بعد تشخيصي بالمرض، أردتُ بشدّة أن أثبت لنفسي أنّ كلّ شيءٍ مُمكن، وأنّني أستطيع الاستمرار في عيش حياة صحيّة وطبيعيّة".
بعد ذلك، تدرّبت داليا دون كلل لمدّة أربعة أشهر، وعندما عبرت خط النّهاية، تغيّرت حياتها بالكامل: "في تلك اللّحظة أتذكر بأنّني كنتُ أفكر أنّه بات بإمكاني تحقيق أيّ شيء حقّاً. فلن أسمح للسكّري بالوقوف في طريق أحلامي".
كانت تلك النقطة التي بدأت منها رحلتها. ففي عام 2015، أتمّت الشابّة أوّل ترياثلون أولمبي (شمل السباحة لمسافة 1.5كم، وركوب الدرّاجة لمسافة 40كم، والجري مسافة 10 كم). كان السكّر لديها مرتفعاً جدّاً آنذاك، فرغم أنّها قد قطعته بالكامل، إلّا أنّها واجهت صعوبة كبيرة في الثلثين الأخيرين منه. أمّا في عام 2016، فقد عادت إليه، لكنّها حلّت هذه المرة في المرتبة الثانية لفئتها العمريّة.
ثم تسلّقت في شهر يوليو 2017 إلى جبل إلبروس في روسيا؛ أعلى قمّة في أوروبا (بارتفاع 5,642 متر). وتعتبر هذه واحدة من أخطر القمم في العالم التي تشهد نسبةً عاليةً جدّاً من الوفيّات بين المتسلقين. في الواقع، يموت كلّ عام حوالي 30 متسلقاً وهم يحاولون الوصول إلى القمّة.
لم يكن على داليا التأقلم مع التحدّيات التي تواجه مجموعة المتسلقين الذين صعدت الجبل معهم وحسب، بل مع مرض السكري أيضاً. إذ كانت قلقة من تجمّد معدّاتها (فحتى خلال فصل الصيف، تصل الحرارة هناك إلى -8 درجات مئويّة ليلاً)، عدا عن خوفها من سوء تجاوب جسدها مع اختلاف الارتفاع. لذا لم تذهب دون أن تجهّز نفسها بكلّ ما قد تحتاجه.
فتقول: "إذا انخفض مستوى السكر في الدم لدي إلى دون الحدّ الطبيعيّ، سيكون عليّ تناول السكّر سريع المفعول والذي كان دائماً موجوداً في جيوب حقيبتي. أمّا إن انخفض سكر الدم إلى درجةٍ يُمكن أن أفقد فيها الوعي، سيقوم أحد المتسلقين معي بإعطائي جرعة من هرمون الغلوكاغون الذي كنتُ احتفظ به في حقيبة فريو خاصّة لمنعها من التجمد. وإذا ارتفع سكر الدم لديّ، فسيتعين عليّ أخذ الأنسولين من مضخة الأنسولين. في حال تعطّلت هذه الأخيرة، فقد كان معي أقلام أنسولين محفوظة أيضاً في حقائب فريو".
ومع ذلك، حدث خللٌ بالأجهزة. إذ قالت لنا أنّه في جولة الصعود الجبليّ الثالث، بدأت جميع الشاشات التي تستخدمها بإعطاء قراءات مختلفة لنسبة السكّر، بسبب تأثّرها بالارتفاع غالباً. لكن بدلاً من أن تفقد أعصابها، اتبعت الطرق القديمة وراحت تصغي لجسدها وتعتمد على غرائزها لمعرفة مقدار الأنسولين الذي تحتاجه.
في الفترة التي بدأت فيها بالتمرّن من أجل الماراثون، انخرطت الشابّة حينها بعالم CrossFit. ولا شكّ بأنّكم أصبحتم تدركون الآن أنّ بدراوي لا تقبل بأنصاف الإنجازات. لذا إليكم بعض الحقائق عنها: خلال هذا العام، احتلت المرتبة الأولى في مجموعتها العمريّة بمصر، والمرتبة الـ15 على مستوى إفريقيا والشرق الأوسط ضمن بطولة Crossfit Open؛ ممّا يضعها في الشريحة المئويّة الـ97. لقد تأهلت أيضاً إلى المنافسات الإقليميّة Regionals وهو إنجازٌ ضخمٌ في مجتمع CrossFit العالميّ.
هذا وقد تابعت قائلةً: "اللّياقة البدنيّة هي المكان الذي وجدت نفسي فيه. فالشيء الذي بدأ كنشاطٍ هدفه الحفاظ على لياقتي وصحتيّ، تحوّل اليوم إلى شغفٍ بالنسبة لي. غير أنّ الشغف لا يقتصر على وضع أهداف أكبر والعمل بجدٍّ لتحقيقها فقط، لكن ينبع أيضاً من حثّ الآخرين على تغيير حياتهم نحو الأفضل، ودفعهم لبلوغ أهدافهم الخاصّة؛ سواء كان ذلك عبر مساعدتهم على جري أوّل سباقات الـ5كم أو أوّل ماراثون لهم".
تأمل بدراوي أن يُدرك مرضى السكريّ الآخرون بأنّ المرض لن يمنعهم من عيش أحلامهم إذا تمكّنوا من التحكّم به: "أريد أن أثبت لنفسي باستمرار أنّ لدي القدرة والقوّة لتحقيق أهدافي. لا شكّ أنّ هذا يتطلّب المثابرة والعمل الجادّ، لكن يمكنني القيام بذلك كأيّ شخص آخر بكلّ تأكيد".
لذا وعلى عكس الأشخاص الذين يتردّدون من خوض التحدّيات أو يختبئون من مخاوفهم، تنظر داليا إلى هذه الأشياء بتصميمٍ بالغٍ لتحطّم كلّ العوائق التي تقف في طريقها.