حكاية رها محرق
لم تشعر رها محرّق بعظمة إنجازها كأوّل سعوديّة تتسلّق سبعة جبال شاهقة نهائيّاً حتّى وصلت إلى هذه النقطة في مسيرتها
تمهّد الشابّة رها محرّق الطريق اليوم أمام النساء الرياضيّات المسلمات في كلّ مكان، وذلك باعتبارها المرأة السعوديّة الأولى التي تتسلّق قمم الجبال السبعة في العالم؛ فهو إنجاز لا يُمكن تكراره على الإطلاق فعليّاً.
ففي تحدٍ منها للتقاليد ورغبتها بعيش حياة المغامرة، تخلّت رها عن فكرة الزواج في سنّ مبكّرة –الأمر شكّل خيبة أمل لدى والديها– وصبّت كامل اهتمامها على شغفها بتسلّق أوّل جبلٍ لها، غير أنّ الفكرة لم تراودها بالطريقة التي قد تتخيّلونها.
حيث قالت في حدثٍ أقامته "أديداس" بمناسبة اليوم العالميّ للمرأة: "تسلّقت القمّة لأنّني كنتُ أعرف أنّه باستطاعتي ذلك، لا لأكون أوّل أو أصغر امرأة تفعل هذا".
قبل ذلك، كانت رها تجلس مع مجموعة من صديقاتها عندما قالت إحداهن بأنّها تنوي تسلّق جبلٍ ما. حينها خطر ببالها أنّ هذا هو الشيء المثاليّ الذي سيثير حماسة والديها لذا قرّرت أن تجعل منه هدفاً تسعى لتحقيقه خلال عطلة العيد.
كما قالت عن جبل كيليمانجارو الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 19,000 قدم ويستغرق تسلّقه ستّة أيام: "اعتقدت في البداية أنّه اسم فاكهة ما". لم تكن ترغب أن يُملي عليها نوع جنسها ما يُمكنها فعله أو أنّ كونها فتاة سعوديّة سيحدد طريق حياتها بما يتوافق مع نظرة العالم لها.
ولا غرابة في ذلك طبعاً، فحتّى وقت قريب لم تكن المملكة العربيّة السعوديّة تسمح للنساء بقيادة السيارة؛ حيث سيجري العمل بالقانون الجديد في شهر يونيو المُقبل، كما لم يكن بإمكانهنّ الدخول إلى مدرّجات الملاعب الرياضيّة.
عندما امتلكت الشابّة الشجاعة الكافية كي تطلب إذن والدها وتأخذ منه المال، لم يوافق على ذلك بدايةً، لذا كتبت له رسالة حازمة لكنّها كانت متوترة حول ما ستكون عليه ردّة فعله لدرجة أنّها شعرت بالغثيان. فرغم أنّها قد قامت بـ14 رحلة تسلّق جبليّ حتى الآن ومرّت بجانب أشخاص ماتوا على الطريق، إلّا أنّ تلك اللّحظة كانت الأكثر رعباً في حياتها حقيقةً.
كانت رها تفكّر آنذاك: "سيزوّجونني لأوّل شخصٍ يطلب يدي. لم أستطع أن أصدّق أن الرجل ذاته الذي علمني أنّه بإمكاني بلوغ النجوم، يرفض طلبي اليوم. لو كنتُ مكان أخي محمد، كان سيسارع ليشتري لي تذكرة السفر".
إلا أنّ أسلوبها بالإقناع نجح فعلاً، ووافق والدها أخيراً.
فقال لها: "أنتِ مجنونة. أحبك. اسعي وراء هدفك".
كانت رها بالكاد قد تلقّت ما يكفي من التدريب قبل توجّهها إلى كيليمانجارو حتّى أنّها تقول ممازحةً بأنّها كانت تظنّ أنّ المكوث في فندق أربع نجوم هو التخييم بحدّ ذاته قبل الدخول إلى عالم تسلّق الجبال. ومع ذلك، عند بلوغها القمّة، عانت من انخفاض حرارة جسمها، ولم تكن تستطيع الرؤية بشكل واضح، فيما كان لونها مزرقّاً، لكنّها وصلت إلى أعلى نقطة في أفريقيا وشعرت بفرحة كبيرة غمرت قلبها. لقد أنجزت شيئاً يتخطّى حدود خيالها مُدركةً بأنّها لن تكون آخر مرّة تشعر فيها بطعم هذا الانتصار.
بعد نقطة التحوّل تلك، لم تستطع الشابّة المفعمة بالحيويّة هذه التوقّف عن تسلّق الجبال طبعاً. فعندما ظنّت أنّها قد وصلت حدّاً معيّناً، شاهدت قمّة إفرست لأوّل مرة.
لذا تُخبرنا رها أنّه عندما بدأ حبّها لهذه الرياضة يتحوّل لما يشبه الإدمان، كانت والدتها تقول مُمازحةً: "آمل في يومٍ من الأيام أن تنظر إلى رجلٍ ما بالطريقة التي تنظر بها إلى الجبال".
عندما وصلت أخيراً إلى القمّة ووقفت في مكان إدموند هيلاري، لم يكن همّها حينها أنّها امرأة أو أنّها سعوديّة الجنسيّة، فهذا الإنجاز يضعها على قدم المساواة مع الجميع وهذا كلّ ما يهم. لكنّ رأيها اختلف كليّاً حين التقت بإحدى معجباتها.
إذ قالت: "أخبرتني فتاة صغيرة أنّني منحتها الشجاعة الكافية لركوب الدرّاجة"، موضّحةً أنّه في المملكة العربيّة السعوديّة، لا تستطيع النساء ركوب الدرّاجات إلا في المناطق المحيطة بأماكن إقامتهنّ، حيث لا يسمح لها بالذّهاب في جولة طويلة. فقبل خمس سنوات فقط، خفّفت المملكة العربيّة السعوديّة القيود المفروضة على ركوب النساء للدراجات. منذ تلك اللّحظة، شعرت رها أنّ ما أنجزته أكبر بكثير منها، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نعشق الشابّة التي أصبحت مصدر إلهامٍ للنّساء في كلّ مكان للقيام بإنجازاتٍ غير متوقعة.
ثمّ اختتمت كلامها قائلةً: "في البداية، عندما أدركت أنّه لم يكن هناك نساء كثيرات مثلي (بمجال الرياضة) في المنطقة، شعرتُ بالتوتّر وبحملٍ كبيرٍ فوق أكتافي تجاه هذه المسؤوليّة، لكن سرعان ما أدركت أنّني أمتلك فرصة عظيمة لتغيير ما لا أحبه بثقافة مجتمعي التي تقوم على عقليّة أنّ الفتيات ضعيفات وغير قادرات على القيام بهذه الأشياء (مثل تسلّق الجبال)، مُضيفةً: "إنّني أغتنم الآن هذه الفرصة وأصبّ كلّ جهودي فيها لأنّني أشعر أنّ مسؤوليتي هي رفع سقف الطموحات أمام الجيل القادم. يهمّني جدّاً ألّا أقوم بما أحبه وحسب، بل أن أثبت للفتيات الأخريات أيضاً أنّه بإمكانهن السعي وراء شغفهن".
كما استطاعت رها فعل ذلك، يمكنكن أنتنّ تحقيقه أيضاً بالتأكيد.