تأثير الابتسامة على الناس
جرّبت أن أبتسم للغرباء على مدى شهرٍ كاملٍ، والنتيجة تحسّنٌ هائلٌ في مزاجي بشكلٍ عام
مررت قبل بضعة أشهر ببعض التحوّلات الحياتيّة الكبرى – ذاك النّوع من التغيير الذي جعلني أودّ أن أنغلق على نفسي واختبئ في شقتي. الأمر باختصار هو أنّ خطيبي قرّر إنهاء علاقتنا. ممّا أدّى إلى تأزّم حالتي النفسيّة. فحتى فكرة تناول الطعام كانت تجعلني أشعر بالغثيان. كما كنت أتمرّن بكثافة كبيرة، وأغرق بالبكاء فجأة بين الحين والآخر، وكان ذهني مشتّتاً في ألف مكان معاً. لكن وفي محاولة للرجوع إلى حالتي الطبيعيّة، انطلقت برحلة منفردة إلى فلوريدا لتصحيح مسار طريقة تفكيري. كان ذلك بمثابة مكان أهرب إليه. وكأنّ الهرب سينفعني.
في صباح أحد الأيام، عدتُ من جولة جري على الشاطئ ورحتُ أتصفّح الإنستغرام. لكن و بينما كنت أُقلّب بين المنشورات، مررتُ بقول مقتبس دفعني للتأمّل حقيقةً، حيث كان يقول: "الأشخاص الذين تدفعهم غريزتهم الأولى إلى الابتسام عندما تنظر في عيونهم، هم من أعظم كنوز الأرض".
إن قلت أنّني لم أكن أبتسم كثيراً في هذه المرحلة، فذاك التعبير لن يفي الأمر حقّه. كنت أشعر بالضّعف وقلّة الثقة بنفسي. عندها توقفّت عن المشي، ونظرت إلى شجرة نخيل أمامي، ورحتُ أتأمّل. باعتباري من سكّان نيويورك، فنادراً ما أسير في الحي وأرى شخصاً يبتسم في وجهي. بل نمضي جميعاً وننتقل من مكان إلى آخر وأعيننا ملتصقة بهواتفنا – حيث يُمثّل ذلك شيئاً نافعاً عندما تكونون بمزاج ترغبون فبه بتجنّب أيّ تواصل مع البشر، لكنّه ليس مثاليّاً عند لقاء أشخاص جدد (أو لتحسين مزاجكم).
لذا فكّرت في نفسي بأنّني سأقوم بذلك حقّاً. ليس فقط في المناطق الريفيّة لولاية فلوريدا. بل في المستقبل القريب رحت أبتسم لكلّ شخص تلتقي عيناي بعينيه. يبدو الأمر بسيطاً، أليس كذلك؟ ربما، لكن عند الأخذ بعين الاعتبار أنّ هذا سيكون متناقضاً للغاية مع ما أشعر به، كنت أعلم أنّه لن يكون سهلاً أو أنّه لن يكون أبداً من ضمن الأشياء التي أرتاح لفعلها.
بعد مضي ساعاتٍ قليلةٍ، صعدت الطائرة العائدة إلى مدينتي. وعندما هبطت في نيويورك كانت تجربتي قد بدأت. إليكم أربعة دروس تعلمتها بعد شهر كامل قضيته في الابتسام للغرباء:
1. الابتسام يجعلكم بمزاج أفضل.
سأكون أول من يقرّ بأن الابتسام الكثير بدا غريباً لي في البداية. فبعض النّاس كانوا ينظرون إليّ ويبدون مرتبكين حول سبب كوني في مزاج جيّد (رغم أنّي لم أكن كذلك في أغلب الأحيان). لكن بعد بضعة أيّام، بدأت أشعر أنّ الابتسام بات سلوكاً طبيعيّاً أكثر. أدركتُ حينها أنّ الابتسامة بفم مغلق أو كبيرة مع إظهار الأسنان كانت تضعني دائماً بمزاج أفضل. بشكل عام، شعرت بتوتّر أقل في الثانية التي ابتسمتُ فيها لشخص آخر تبادلت النّظرات معه. لذا وبعد أن بحثت قليلاً في الموضوع، عرفت بأنّ دراسة من جامعة كانساس كانت قد وجدت أنّ الابتسام يساعد على تقليل استجابة الجسم للتوتّر وتخفض معدّل ضربات القلب في المواقف العصيبة. شيء رائع، أنا أعشق هذه المزايا.
2. ابتسموا لشخص ما، 9 من 10 أشخاص سيبتسمون لكم حتماً.
فكروا في الأمر: عندما يبتسم شخص ما لكم، فمن الصعب عدم مبادلته بتلك المشاعر الإيجابيّة. لهذا السبب يحبّ الكثيرون منّا أن يحيطوا أنفسهم بالأشخاص السعداء بطبيعتهم بدلاً من السلبيّين. في صباح أحد الأيام كنت جالسة في مترو الأنفاق بحدود الساعة الـ6:20 صباحاً، وقرّرت أن أختبر ذلك. في هذه الساعة، تتضمّن وسيلة النقل تلك مجموعات نيويوركيّين آخرين مرتدين ملابس مرنة يتّجهون إلى صفوف التدريب الرياضيّ أو عمّال البناء. بدايةً، نظرت إلى عامل بناء كان يغفو بين الحين والآخر. عندها نظر إلى جانبيه قبل أن يبتسم لي. ثم ابتسمت إلى فتاة تكتسي اللّون الوردي الرائج. فردّت الابتسامة على الفور، بل قامت حتى بتعديل وضعية سمّاعات الرّأس لأنها ظنّت بأنّني قد قلت لها شيئاً.
3. ابتسموا لشخص ما، وقد يتكلّم معكم على الأغلب.
كان هذا أفضل جزء في التجربة بأكملها حقيقةً. لا ينطبق الأمر كثيراً على مترو الأنفاق، لكن عندما ابتسمت للنّاس ضمن طوابير الانتظار بالمقاهي أو في المكتب، كان هناك دائماً شيء يقولونه لي. في كثير من الأحيان، كانت بعض التعليقات المعتادة حول الطقس أو ربّما إشارة لشيء بإطلالاتي (كانت المجاملات حول شعري تترأس القائمة أيضاً).
أمّا فيما يتعلق بالجنس الآخر، فوجوه الرجال كانت تشرق أيضاً. رأيت الكثير منهم تحمرّ خدودهم. كما كان الرجال هم الوحيدون الذين يتحرّون عن سبب شعوري بالسّعادة. في ثلاث مناسبات منفصلة طُرِح علي سؤال "ما الذي يجعلكِ تبتسمين؟". في كلّ مرة كنت أجيب ببساطة: "ما الغريب في أن يكون المرء سعيداً؟" وفي كلّ مرة كانوا يندهشون. فقط في موقف واحد من تلك الحالات قلت لرجل منهم عمّا كنت أفعله (لأنّني وجدته جذّاباً). عندها ضحك علي وقال لي إنّه مسعى نبيل. ثم نظرت إلى الأسفل ورأيت خاتم زواجه.
4. الابتسام يفتح لكم احتمالات جديدة.
مع التنقّل بمزاج أفضل بسبب هذه الابتسامة التي كنت أبديها على وجهي من وقت لآخر، شعرت أنّني أكثر انفتاحاً على فرص جديدة. لذا وبدون التفكير مرّةً ثانية، وجدت نفسي أقول نعم لمزيد من الأشياء. هل تريدين القدوم للتمرّن معي بعد العمل؟ طبعاً. هل تودّين أن تأتي لتناول وجبة البرانش معنا يوم السبت؟ نعم. لم لا تنضمين لنا على عشاء رأس السنة؟ موافقة.
أنا أؤمن بالروحانيّات أكثر من كوني شخصيّة متديّنة. لكن بعد حوالي شهر من الابتسام للغرباء، بتُ أشعر أكثر من أيّ وقت مضى بأنّني قد شاهدت ذلك المنشور على الإنستغرام في تلك اللّحظة المحدّدة لسبب معيّن. ابتسامتي الخاصّة ذكّرتني بالتوقّف عن إشغال ذهني كثيراً. كما ذكّرتني الابتسامة في بعض المواقف أنّ لدي الكثير لأقدّمه، حتى لو كان ذلك مجرّد ابتسامة. في الأيام التي لم يكن من السهل ألا أبدو محبطة فيها، كانت تلك الابتسامة تُبقي الأمور تحت السيطرة. وأفضل جزء من الأمر هو أنّه لا يمكن لأحدٍ أن يأخذها منّي. إنّها ملكي للأبد.