عندما تدللون أطفالكم أكثر من اللازم
عندما تُدلّلون أطفالكم أكثر من اللّازم
هل يقدّم الآباء والأمّهات لأطفالهم أكثر ممّا يحتاجونه اليوم حقّاً؟ هذا ما تعتقده السيّدة باميلا دبليو فعلاً؛ وهي معلّمة في مدرسة ابتدائيّة قامت بتربية أطفالها ليكونوا مكتفين ذاتيّاً. فهي تشعر بالدّهشة إزاء ميل آباء الطلاب لتولّي المهام التي يستطيع الأطفال القيام بها بأنفسهم، إذ تقول: "أرى الآباء يحملون الحقائب المدرسيّة عن صغارهم في باحات ومباني المدرسة".
كما تبيّن أيضاً أنّ الكثير من الأمّهات في مجتمعاتنا يشاركنها قلقها ذاك، ومنهنّ السيّدة ميغان آر التي تتحدّث صراحة عن خشيتها من نشوء أطفالها بشخصيّة اتّكاليّة إلى حدّ كبير كونها تقوم بواجباتهم المنزليّة بالنّيابة عنهم.
الدلال يعلّمهم عدم الاعتماد على النفس
هنالك ثمن كبير يدفعه أولئك الأطفال لقاء الدلال في نهاية المطاف؛ ويشمل ذلك أموراً مثل عدم معرفتهم بكيفيّة غسل ملابسهم بأنفسهم، إلى الشعور والعجز بإدارة أمورهم الماليّة وفقاً لما أخبرتنا به الشابّة جوني. وهي قارئة كان والداها يدلّلانها أكثر من اللّازم، لذا تقول بأنّ هذا النوع من التربية جعلها تواجه عوائق كبيرة عندما غادرت عشّها المنزليّ: "كانا يتولّيان الاهتمام بكلّ جانب من جوانب الحياة نيابةً عنّي، إلى أن انتقلت للعيش بمفردي في السابعة عشر. عندها كنتُ أرغب بأن أكون مستقلّة ومعتمدة على نفسي، لكنّني لم أمتلك المهارات اللّازمة لتحقيق ذلك إطلاقاً. مع هذا، حالفني الحظّ بأنّ رأف بي أصدقائي وبأنّني كنتُ ذكيّة واخترتُ الاشتراك ببرنامج التوجّهات الطلابيّة المخصّص لطلاب السنة الأولى والذي يعلّمنا كيفيّة الاهتمام بشؤوننا الماليّة، وكلّ ما يخصّ الضرائب، والتأمين. لكن لو لم أسجّل فيه، ربما كنتُ سأظلّ مقيمةً مع أبي وأمي، وسأتناول ما يُعدّانه لي، وستبقى مدبّرة المنزل هي من ترتّب غرفتي، فيما يتولّى والدي الأمور الماليّة عوضاً عني".
يمكن للأمهات أيضاً أن يندمن على تدليل أبنائهنّ. فالسيّدة ستيفاني واي؛ وهي أم لخمسة أطفال، تعلّمت هذا الدرس بطريقةٍ قاسية؛ أي أنّ استرضاء الصغار دوماً قد يعيق عمليّة نموّهم واستقلالهم. إذ توضّح قائلة: "أؤمن تماماً بأنّ الوالدين قد يُقدّمان أكثر من اللّازم لأطفالهم. أستطيع القول بأنّني بذلت قصارى جهدي في تربيتهم ليعتمدوا على أنفسهم. لكن مع ذلك، ربّما أكون قد أخطأتُ بأنّ عطائي كان زائداً عن الحدّ أحياناً. فأنا من الأمّهات اللّواتي يحملن حقائب الظهر المدرسيّة عن أطفالهن، ويشترين لهم لعبة ويرشونهم ليُحسنوا التصرّف في متجرٍ ما. كان عليّ أن أغيّر هذا الأسلوب، وأن آخذ دور والدتهم أكثر من ذلك. لذا اضطّررت إلى التوقّف عن القيام بهذا النوع من "المساعدة" فوراً، وعندما فعلت ذلك، بدؤوا بالبكاء، والعويل، وصرير الأسنان. عندها رأيت ولأوّل مرّة كيف يعاملني أطفالي بغير احترام. كان الأمر صعباً، وبكيت كثيراً، بل شعرت وكأنني كنتُ أفشل كأمٍّ وحتى على الصعيد الشخصيّ".
من جانبها، توافقها السيّدة كيلي آر الرأي، فتقول: "نحن (آباء هذا الجيل) نقدّم عطاءً فائضاً لأطفالنا ونعلّمهم الاعتماد على أشخاص آخرين في كلّ شيء. ماذا سيحدث لهؤلاء الأطفال عندما يصبحوا بالغين؟" كيف سيتولّون مهمّة القيام بأيّ شيء دون وجود والدتهم إلى جانبهم؟".
علّموهم الاكتفاء الذاتيّ
لدى الأمهات اللّواتي يدلّلن أطفالهنّ كثيراً قائمةً طويلةً من الأسباب لفعل ذلك. فالسيّدة مارتي بي لا تريد لأطفالها "أن يواجهوا أيّ مصاعب أو يقلقوا كما كان يحصل معها بعمرهم". بينما ترى السيّدة سارة أنّ ابنها البالغ من العمر 10 سنوات ليس كبيراً بما يكفي ليقوم بطيّ الثياب المغسولة على نحوٍ صحيح. فتوضّح قائلة: "إنّني أحبّ أن تكون الأشياء مرتّبة بطريقةٍ معينة". أمّا السيّدة مارتي فتعلم أنّه من خلال مساعدتها المتواصلة لأطفالها، فهي في الواقع تضرّهم. حيث تعبّر عن تلك الفكرة بالقول: "عندما أصبح عاجزة عن إعانتهم أو في حال وفاتي، لن يتمكّن أطفالي من إنجاز الأشياء بأنفسهم حتماً".
فما هو العلاج لتلك المعضلة إذاً. وفقاً للسيّدة إيلين بي، نحتاج لتدريب أنفسنا على التفكير بطريقة جديدة: "بمجرد أن تتخطّوا نظرتكم لأنفسكم بأنّكم وحدكم القادرين على إنجاز الأمور في الوقت المناسب، ستجدوا أنّ تعليم أطفالكم على مساعدتكم سيوفّر عليكم الكثير من الوقت". إذ تؤمن إيلين بأنّ الأطفال يستطيعون القيام بالكثير في سنّ صغيرة جدّاً، خاصّةً في مهام المطبخ؛ مثل إخراج القمامة، وقياس كميّة مكونات الطعام وتحريكها، وإحضار أطباقهم إلى حوض الجلي، وتقشير البيض ("المتعة الفوضويّة")، وإعداد الطاولة ("ليس بالضرورة على نحوٍ مثاليّ؛ دعوهم يتفنّنوا بها").
السيّدة ستيفاني يو؛ وهي أمٌّ لطفلين، لا تؤيّد إيلين وحسب، بل تثبت أنّ الأطفال يستطيعون مدّ يد العون فعلاً: "عندما بدأت ابنتنا البالغة من العمر 11 سنة باستخدام المكنسة الكهربائيّة هذه السنة، كانت في حالة من الصدمة فعلاً! لذا أخبرتها بأنّني في العاشرة من عمري كنتُ أقوم بغسل كلّ ملابس عائلتنا المكوّنة من خمسة أفراد. عندها رأت أنّ التنظيف بالمكنسة الكهربائيّة ليس أمراً سيّئاً جدّاً! أمّا ابننا ذو الـ8 أعوام فهو يُخرج القمامة من المنزل، ويمسح الطاولة، ويعرف كيف ينفض الغبار، ويمكنه أن ينظّف غرفة ما بوقتٍ أقصر ممّا يمكنه فيه ملؤها بالأوساخ. لكن لا يحصلان على علاوةٍ أبداً مقابل ذلك، فهما يساعداننا في المنزل كنوعٍ من الأجرة التي يدفعانها للعيش هنا وليكونا أفراداً منتجين في عائلتنا".
قد لا يكون التراجع عن التدليل الزائد عن الحدّ واستبداله بتعليم صغاركم على إنجاز المزيد من أمورهم تغييراً سهلاً بالطبع، لكنّ العديد من الأمّهات يعتقدن بأنّه ذو أهميّة جوهريّة. فتوضّح لنا السيّدة إيلين قائلةً: "كلّما تعلم الأطفال القيام بالمهام واتّخاذ القرارات السليمة من تلقاء أنفسهم، كلّما زادت لديهم احتماليّة أن يعيشوا حياة أكثر انتاجيّة. فالتقليل من تولّي كلّ الأمور عنهم قد يمنحهم أفضل فرص حياتيّة مُمكنة".
هل تقدّمون لأطفالكم أكثر ممّا يحتاجونه فعلاً؟