مدارس الشارقة تمنع الواجبات المنزليّة الطويلة والمُكلفة، ونح
مدارس الشارقة تمنع المدرّسين من إعطاء الطلاب واجبات منزليّة طويلة ومُكلفة، ونتمنّى أن يصبح ذلك توجّهاً عالميّاً بالفعل
أصدرت وزارة التربية والتعليم في الشارقة الآن قراراً يمنع جميع مدارس الإمارة من إلزام الطلاب بواجبات منزليّة ومشاريع تتطّلب مشاركة الوالدين، وصرف الوقت والمال عليها.
لذا وبعد أن سمعنا بالخبر، أصبحنا نفكّر جديّاً بإرسال أطفالنا إلى مدارس الشارقة في الإمارات العربيّة المتّحدة. ليس تماماً بالطبع، نظراً إلى الوقت الذي سنستغرقه للوصول إلى هناك خلال ساعات الدوام.
لكن ما من شكّ أنّ هناك حاجة لتطبيق هذا القانون في جميع المدارس حول العالم.
فلطالما كانت المشاريع المدرسيّة الشاقّة والواجبات المنزليّة المطوّلة سبباً في إحباط الأطفال والآباء على حدٍّ سواء. إذ يفرض المعلّمون معاييراً غير واقعيّة وغير عادلة على الأطفال عندما يلزمونهم بوظائف منزليّة معيّنة لا يمكن تنفيذها بشكل جيد إلّا بمساعدة أحد الوالدين الذين يُقيِّم المعلمون أداءهم أيضاً؛ ممّا يزيد من الضغوطات على جميع المشاركين بالمهمّة. وعادة ما تتطّلب هذه الوظائف الكثير من المعدّات التي لا توفّرها المدرسة، ممّا يجبر الأهل على تحمّل تكلفتها. ناهيكم عن الساعات التي يقضيها الآباء والأمّهات بمساعدة أطفالهم في الواجبات، بل والقيام بها بالكامل نيابةً عنهم في بعض الأحيان.
لذا فهي مطالب مكلفة ماديّاً ومرهقة للغاية بالفعل، علاوةً على كونها غير ضروريّة بتاتاً وبشكلٍ قطعيٍّ لا لبس فيه.
السيّدة منى رمزي، وهي أم لولدين عمرهما 15 و10 سنوات يدرسان في المدرسة الأمريكيّة بدبي، عانت من هذا الموضوع على مدى أعوام. فباعتبارها أمّاً عاملة، كان عليها أن ترجع إلى المنزل بعد الدوام وبدل أن تقضي وقتها بالاستماع إلى أطفالها يتحدثون عما حدث معهم خلال اليوم، كانت تجتمع معهم في غرفة المعيشة التي تنشغل فيها مع الطفل المنهمك بإنجاز مشروعه المقرّر عليه أو حلّ واجبه المدرسيّ الذي يستغرق يومه بالكامل إلى أن يحين وقت النوم، عندها كان الصغار ينامون بينما تبقى هي مستيقظة لمدّة أطول بغية إنجاز تلك الواجبات.
حيث تقول السيّدة منى في حديثها مع "بوب شوغر الشرق الأوسط": "عندما كان ابني أصغر قليلاً، ربما في الـ11 من عمره أو نحو ذلك، كان لديه معرض في المدرسة يُدعى الآباء لحضوره أيضاً. تقوم الفكرة على أن يفكّر كلّ طالب بأشياء تشتهر بها بلده الأصلي ثمّ تعرض تلك الأشياء بطريقتهم الخاصّة. اختار ابني علي كرة القدم لعرض ما تشتهر به مصر. وباعتبار أنّ الموضوع كان عن كرة القدم، قلت له قم أنت بإنجازه بنفسك، وكان متحمّساً للعمل على المشروع بمفرده، هذه هي المفارقة".
تقول السيّدة منى: "أنجز علي حينها لوحة كرتونيّة كبيرة ورسم عليها شخصيّة كاريكاتوريّة لصبيّ يلعب كرة القدم، كما رسم بعض الأهرامات الصغيرة عليها وكتب سطراً أو سطرين عن الفراعنة. خلال عرض مشروعه، وضع ابنها حذاء كرة القدم على المنضدة، وخلف ذلك اللّوحة الكرتونيّة التي صمّمها بالمنزل، ثمّ تحدّث بحماسة عن فريق بلاده المفضّل لديه". عندها ظنّت منى أنّه أبلى بلاءً حسناً إلى أن جاء دور الطلّاب الآخرين. "أذكر أنّ إحدى الطالبات صمّمت آنذاك سوقاً احترافيّاً من بلدها. ولأنّني مهندسة معماريّة فأنا واثقة بأنّ تكلفة مشروعها لا يمكن أن تقل عن 10,000 درهم إماراتيّ!".
ما فعلته تلك الطالبة كان مبالغاً فيه طبعاً، لكن لا غرابةً أبداً في أن يقوم الآباء بتوظيف مختصّين ليقوموا بمشاريع أولادهم. حيث تخبرنا نور ويلكنز، وهي مواطنة بريطانيّة مصريّة، أنها عندما كانت أصغر سنّاً، ألزمتها مدرّستها هي وزميلتها ببناء قبّة ضخمة. لكن لحسن حظهم، كان والد زميلتها يمتلك شركة هندسيّة، وطلب من أحد موظفيه أن يبنيها بالنيابة عنهما. تقول نور: "لقد حصلنا على درجة ممتازة (A+) مع أنّنا لم نساهم في العمل بأيّ شكلٍ من الأشكال".
تؤكّد كلّ من منى ونور من خلال تجاربهما الشخصيّة أنّ الطلّاب الذين لا يبدون احترافيّة بتصميم مشاريعهم يحصلون على درجات أقل.
من الغريب فعلاً تخيّل ذلك لكن هذا ما يحدث في الواقع. فما قد يتعلمّه أطفالنا حقيقةً هو أنّه من الأفضل أن تجعل شخصاً آخر يقوم بوظيفتك لأنّ جهودك وحدها غير كافية.
ماذا عن الآباء والأمهات الذين لا يملكون المال لشراء أفضل اللّوازم أو توظيف مهنيّين لأداء واجبات أبنائهم على الدوام؟ وهي الواجبات المنزليّة التي تُلزمهم بها المدرسة ذاتها التي دفعوا لدخولها رسوماً عالية جدّاً.
لكن يبدو أنّ الآباء في الشارقة لن يواجهوا هذه المشكلة بعد الآن. فقد أمضوا سنوات عديدة يشتكون إلى منطقة الشارقة التعليميّة التي قامت أخيراً برفعها لوزارة التربية والتعليم، والتي أصدرت بدورها قراراً صائباً يمنع هذا التوجّه بشكل كامل.
وفقاً لنسخة من القرار الجديد الذي تمّ إرساله إلى مدارس الشارقة، سيتعيّن على إدارة المدرسة ضمان إتمام جميع المشاريع والواجبات في الصف. كما تمّ إنذارهم من وضع درجات تقييميّة على هذه المشاريع، حسبما جاء في صحيفة Khaleej Times. وأخيراً إذاً، حصلت المدارس على هذه المذكّرة الوزاريّة بعد طول انتظار. لكن إلى أن يأتي الوقت الذي تبدأ فيه كافّة المدارس بتطبيق مثل هذه القوانين، واضعةً حالة الوالدين في عين الاعتبار (لا سيما الآباء العاملين منهم، لكن هذا موضوع آخر نتركه لمناسبة أُخرى)، ينبغي لنا جميعا أن نُطلق حراكاً يمنع الوالدين من اتباع فكرة أنّ عليهم القيام بواجبات أطفالهم بغية أن يكون إنجازهم جيّداً في المدرسة. فلا يوجد منطقٌ في ذلك أبداً.