ما هي أهمية عيد الأم للمرأة العربيّة
هذا ما يعنيه عيد الأمّ بالنسبة لي كأمٍّ عربيّة
قبل أن أصبح أمّاً، كنتُ أقول أنّ أهمّ احتفال بالنسبة لي هو عيد ميلادي. فهل هنالك شيء أروع من استقبال التهاني والرسائل اللّطيفة طوال اليوم من العائلة، والأصدقاء، بل ومن أشخاص لهم مكانة خاصّة في قلوبنا؟ يلي ذلك تسلّمنا للكثير من الهدايا وحفلة مُخطّط لها مسبقاً نكون فيها مركز اهتمام الجميع.
لكن سأخبركم أنّ المُناسبة الأكثر تميّزاً لدي الآن هي عيد الأمّ حقّاً. اليوم الذي يتم فيه الاحتفاء بكلّ لحظة نمضيها بتربية أطفالنا بلا كلل ولا ملل بما في ذلك التضحية بنومنا، وصحّة أجسامنا، ووقت راحتنا ومتعتنا من أجل رعاية صغارنا.
لا زلتُ أتذكر عيد الأمّ الأوّل لي كأمّ. كنت وقتها ساهرةً أطعم صغيرتي في منتصف اللّيل عندما خطرت ببالي المناسبة. بعد أن شبعت طفلتي وتجشأت وضعتها في سريرها (عمليّة طويلة ومرهقة أكثر ممّا تعتقدون)، ثمّ أيقظت زوجي وأخبرته: "أصبحتُ أمّاً الآن، لا تنس أن تجلب لي شيئاً بعيد الأم. عندها التفت لي وقال مهمهماً في صوت يدلّ بأنّه بين اليقظة والنوم: "لقد جلبُت لكِ هديّة للتوّ يا حبيبتي". عندها ارتسمت ابتسامة كبيرة على وجهي، واستطعت النوم أخيراً بعد كلّ التعب والإرهاق فيما كنتُ أفكّر بأنّني حظيتُ بأكثر زوجٍ مثاليٍّ في العالم.
بعد مرور بضعة أيام جاء عيد الأمّ. كنّا أنا وزوجي نرتشف القهوة معاً قبل أن ينطلق إلى العمل، وأنا أنتظر سرّاً وبشوق أن يرنّ جرس الباب وأفتحه لأجد أكبر باقة من الزهور ومعها ربما قطعة مجوهرات صغيرة وراقية. لكن ما حصل حينها بدلاً من ذلك هو أنّه استدار نحوي وقال: "كنتُ أفكر بشيء.. أتذكرين النظّارات الشمسيّة التي قلتِ بأنّكِ أحببتها؟ ما رأيكِ أن أجلبها لكِ كهديّة عيد الأم؟".
يا لهذه الصدمة!
يمكنكم تخيّل الدراما التي حصلت بعد ذلك.
يعني عيد الأم لنا الكثير كأمّهات. ربما ينطبق ذلك بشكلٍ أكبر على الأمّهات العربيّات؛ على اعتبار أنّ مهمّة الأم أساساً هنا هي تربية الأطفال بينما ينشغل الأب في العمل خارج المنزل.
على ما أذكـر، تُعتبر هذه الأدوار محدّدة بشكل واضح جدّاً ضمن مجتمعنا. فأن يقوم الأب بشيءٍ مثل تغيير حفاضات أحد أطفاله، في هذا الجزء من العالم، هو بمثابة حالة خاصّة جدّاً. حتّى أكثر الرجال ثقافةً وعِلماً عندما يرون امرأة تشكو تعبها من الاعتناء بحاجات الأطفال، يقولون لها: "هذه مهمّتك بالنّهاية".
بينما تعتبر حالة الأمّهات العربيّات الموظّفات أسوء بكثير. إذ يُحاضر أزواجهنّ فيهنّ دوماً ليصبحن أمّهات وزوجات أفضل. حيث تتعرّض تلك المرأة للضغوطات من قِبل زوجها كي تكون أمّاً مثاليّة. إذ يتعيّن عليها حضور جميع الفعالياّت المدرسيّة، وإيصال الصغار إلى المدرسة، واصطحابهم من أنشطة ما بعد الدوام المدرسيّ. كلّ ذلك فضلاً عن مساعدتهم في الواجبات المنزليّة، وأخذهم إلى السرير، وإعداد وجبة عشاء لذيذة (يفضّل أن تكون قد حضّرتها هي بنفسها طبعاً)، عدا عن إجراء نقاشات جديّة مع زوجها. لا أبالغ في ذلك نهائيّاً، فهذا ما يُتوقّع من ملايين النساء العربيّات القيام به حقّاً بشكل يوميّ.
أرجو ألّا تُسيئوا فهمي، فأنا لا أقول بأنّ الآباء المتعاونين مع زوجاتهم غير موجودين إطلاقاً. يوجد الكثيرون منهم حتماً لكن حتى لو شاركوا زوجاتهم السهر ليلاً على رعاية الصغار وإرقادهم في السرير حتّى يتسنّى لزوجاتهم أخيراً قضاء بعض الوقت مع صديقاتهنّ، سينعتهم بعض أفراد العائلة أو الأصدقاء بضعف الشخصيّة مثلاً على هذه الفعلة.
ربما نشهد تغيّراً حقيقيّاً في هذه الناحية بالفعل. فمع ارتفاع مستوى النضوج الاجتماعي تجاه مسألة المساواة بين المرأة والرجل، قد يدرك المزيد من الأشخاص أنّ تربية الأطفال هي مسؤوليّة مشتركة بالفعل.
لا شكّ أنّ زوجي قد عمل أقصى ما بوسعه منذ أوّل عيد أمّ وحتّى الآن لإعطاء المناسبة طابعاً مميّزاً للغاية بالطبع. فخلال السنوات القليلة الماضية أصبح لدينا مُلصقات رائعة مليئة بمجموعاتٍ من الصور لي وللصغار كان هو يختارها ويطبعها، عدا عن بطاقات التهنئة ورسائل الحب وخربشات طفلتينا (اللّتين لا تستطيعان الكتابة بعد)، إضافة إلى العناقات الصباحيّة وأكواب القهوة التي يحضّرها ويجلبها لي إلى السرير.
لذا فهناك أمل بأن يقدّر الآخرون مجهودنا الكبير هذا، حسب رأيي. تمنّياتي بعيد أم سعيد لجميع الأمّهات المكافحات في كلّ مكان.