الدوام الجزئي في الإمارات العربيّة المتّحدة
الإمارات العربيّة المتّحدة تختبر نظام الدوام الجزئيّ في المدارس... لكنّنا لا نؤيّد الفكرة نهائيّاً
يُمثّل الالتحاق بالمدارس بدوام جزئيّ مشروعاً رائداً من المرجّح أن تقدّمه هيئة المعرفة والتنمية البشريّة في سبتمبر المُقبل كجزء من مبادرة 10X، التي أطلقتها الحكومة الإماراتيّة حتّى تُطبِّق الدّولة اليوم ما ستُطبّقه مدن العالم بعد عشر سنوات.
تقوم فكرة المشروع الذي يحمل اسم "الرحّال" على أن يذهب الطلبة إلى المدرسة لنصف اليوم ويستغلّوا النصف الآخر من اليوم في العمل على مهاراتهم الأساسيّة. لذا، إن كان الطفل شغوفاً بالفن أو التصوير الفوتوغرافيّ، فسيقضي نصف المدّة المتبقّية في التدريب ضمن هذا المجال. وينطبق الشيء ذاته على عشّاق العلوم، والمهتمّين بالرياضيات، ومحبّي الجغرافيا. فمهما كان ما يعشقونه، سيحصلون على ساعاتٍ إضافيّة من اليوم للعمل على ميولهم الدراسيّة.
في البداية كنت أشجّع المبدأ كليّاً. فصرت أفكّر أنّه أخيراً بدأ مجال التعليم يصبح أكثر تنوّراً، ويبتعد عن تعليم الأطفال الأشياء التي لن يكون لها تطبيقٌ حقيقيٌّ في حياتهم العمليّة.
لكن عندما تعمّقت في تفاصيله، لم أتشجّع له صراحةً.
إذ لاحظت وجود الكثير من المشاكل المرتبطة بالمشروع. أوّلاً، مهما كان المقرّر الذي يعشقه أطفالكم، قد تتغيّر الأشياء التي تثير اهتمامهم عندما يكبرون. لذا فالالتزام بمجموعة معيّنة من المهارات ليست فكرة جيّدة بالضرورة.
فكم من الآباء والأمّهات رأوا أولادهم يعبّرون بحماسة عن شغفهم بمادّة التاريخ مثلاً، ويتحدّثون طوال الوقت عن رغبتهم في أن يصبحوا مؤرّخين، لكن بعد مضي أشهرٍ فقط من البدء بدراستها، لا يتوقّفون عن التذمّر حول مدى كرههم لها.
أو ماذا عن الطلبة الذين يمتازون في مجالٍ واحدٍ من المادّة؛ كالجبر في الرياضيات، ويعشقونها لأنّ أداءهم جيّد جدّاً فيها، لكن عندما يدرسون "حساب التفاضل والتكامل" مثلاً في العام التالي ولا يفهمونها فإنّهم يكرهون مادّة الرياضيّات بأكملها؟ ماذا سيحدث حينها؟ هل يمكنهم تغيير المادّة التي يُركِّزون عليها خلال النصف الثاني من يومهم المدرسيّ؟
والأهم من ذلك، ماذا عن الكُسالى؟ أولئك الذين لا يُحقِّقون الاستفادة القصوى من طريقة التعليم الجديدة هذه لتحسين مهاراتهم بل سيستغلّون النظام باختيار أسهل شيء يخطر ببالهم؟
ما لم يكن طفلكم عبقريّاً في شيء محدّد (وهو أشبه ما يكون بالمعجزة)، قد يُلحق الالتزام بشيء ما في هذا السن التكوينيّ ضرراً بنموّه وتطوّره، هذا ما أظنّه أنا كأمّ لها خبرتها مع الأطفال.
حتّى المدارس لم تُبدي حماسةً عاليةً للفكرة في الحقيقة. حيث يرى السيّد كريستوفر برومهام، مدير مدرسة "أبتاون" في دبي، أنّ التعليم بدوامٍ جزئيٍّ ينقل مسؤولية تعليم الأطفال من المدرسة ويضعها على كاهل أولياء الأمور. كما يُنبِّه الآباء من أنّه في حال لم يبلِ طفلهم حسناً على صعيد الدّراسة، فلا يمكن للوالدين إلقاء اللّوم على المدرسة، إنّما سيتحمّل الأب والأم المسؤوليّة الكاملة عن التقدّم الأكاديميّ لأبنائهم ومدى تحسّنهم، بحسب صحيفة Khaleej Times.
الأمر مُقلق بالفعل. لا أستطيع أن أتخيّل مَن مِن أولياء الأمور سيقدم على تسجيل أبنائه بهذا النظام، فمجرّد مساعدة الصغار بالواجبات المنزليّة يُمثّل مهمّة منهكة بحدّ ذاتها.
لكن لا تُسيئوا فهمي، فالفكرة لها مزاياها حتماً. أعتقد أنّه ينبغي أن يكون لدى الطلاب وقت ضمن يومهم الدراسيّة للعمل على هواية أو موهبة معيّنة تنمّي شخصيّتهم، ربما قد يكون هذا الهدف الأمثل للفرصة المدرسيّة.
يُمكننا أن نؤيّد الاقتراح الأخير هذا بكلّ تأكيد.